الجسد
تعرّفي على جسدكِ عبر تحسين إدراكك لتركيبته وطبيعته، واعثري على إجابات لأكثر الأسئلة شيوعًا.
نتفق جميعًا على أن التعميم في تناول تجربة النساء العربيات هو أمر شبه مستحيل. إذ ليس بوسعنا القول، بأي شكل من الأشكال، إن تجربة المرأة المصرية، مثلًا، مطابقة لتجربة المرأة السعودية أو اللبنانية.
لكن برغم اختلاف تجاربنا يبقى هناك أمر يمكن الاتفاق عليه، وهو أننا، كنساء عربيات من مختلف الدول العربية البالغ عددها 22 دولة، وبغض النظر عن الأمكنة المختلفة التي نشأنا فيها وعن تنوّع خلفياتنا الدينية والاجتماعية والاقتصادية، نشأنا على مفاهيم موحّدة رسخت في أذهاننا وجوب تصنيف أجسادنا وحياتنا الجنسية ومتعتنا ضمن خانة "العيب"، وإحاطتها بمشاعر الخزي والعار، وإخضاعها لتلك المشاعر.
لقد جرى تلقيننا منذ الصغر أن أعضاءنا التناسلية محظورة، وأنه ينبغي إخفاء حيضاتنا وتجاهل رغباتنا، فطغت الأكاذيب المتعلقة بمفهوم العذرية وغيرها من المفاهيم الخاطئة على أفكارنا خلال نشأتنا. إذ في عالمنا، حيث لا مكان تلجأ الفتيات والنساء إليه لطرح ما يشغلهن من أسئلة، وحيث لا تتوفر لهن فرص الحصول على التثقيف اللازم في مسائل أجسادهن وصحتهن ومتعتهن الجنسية، تجد المرأة نفسها واقعة تحت سطوة "وصمة العار" التي يفرضها المجتمع على علاقة المرأة بذاتها وجسدها، وهي العلاقة التي ينبغي أن تكون الأهم بالنسبة للمرأة.
وهنا من المهم أن نلاحظ أنه فيما تحمل ثقافتنا سماتها ومفاهيمها الخاصة والفريدة، إلا أن هناك حرباً شنت على أجساد النساء في كل أنحاء العالم. فإن دققنا بما حدث في كل من لوس أنجليس وسيول، نجد أن هناك عددًا من الرسائل الثقافية التي تضع النساء في مواجهة مع أجسادهن. فنحن نحيفات جدًا أو سمينات، قصيرات أو سامقات الطول، شديدات البياض أو سمراوات، بحسب المكان الذي نحيا فيه أو نأتي منه. وهكذا، فإن النساء في كل أنحاء العالم، يوضعن أمام معايير مستحيلة وأهداف لا تنفك تتبدل.
إن كانت هذه الأفكار مألوفة بالنسبة لك، فأنت على درايةبالتأثير المباشر والمحسوس لوصمة العار التي يسم بها المجتمع مقارباتنا الخاصة لأنفسنا وأجسادنا. وندرج في ما يلي بعض التأثيرات التي لطالما فرضتها مشاعر العار المرتبطة بجسد المرأة على حياتنا، وما زالت تفرضها حتى يومنا هذا.
نصل إلى مرحلة يصبح فيها الصوت الذي زرع فينا مشاعر العار (سواء كان مصدره أحد أفراد العائلة، أو المجتمع، أو المدرسة، أو حتى البرامج التلفزيونية)، صوتاً داخليًا يصعب تمييزه عن صوتنا الحقيقي. نبدأ بمراقبة أنفسنا على نحو تلقائي، ومن دون الحاجة إلى أي تدخّل خارجي، للتأكد من التزامنا التام بما هو مقبول ومُتوقَّع منا اجتماعيًا. ويتمثّل ذلك في العبارات السلبية التي نطلقها عند الكلام عن أنفسنا، وفي المراقبة الذاتية المتشددة والدائمة، وعدم القدرة على التخلص من شعور الإثم والندم تجاه ما نفعله.
لقد تعلمنا من تجربة حياتنا، وعلى مدى فترة طويلة، وجوب الانغلاق تجاه أجسادنا وتجاهل رغباتنا، وذاك جعل كثيرات منا يشعرن بالحرج الشديد من النظر إلى المواضع الأكثر حميمية في أجسادنا. هل سبق لك أن نظرت إلى فرجك في المرآة؟ ما هي المشاعر التي يثيرها فيكِ هذا الأمر؟
النقص في الوعي وضعف التواصل مع أنفسنا قد ينتجا عواقب سلبية دائمة تؤثر على نواحٍ عديدة في حياتنا وعلاقاتنا، بدءًا من الصورة التي نكوّنها عن أجسامنا، وصولًا إلى فهمنا للعلاقات الحميمة وقدرتنا على إنجاب الأطفال.
إن المعايير الثقافية التي ما زالت سائدة في مجتمعاتنا العربية، إلى جانب غياب برامج التربية والتثقيف الجنسي، تمثل عوامل مؤدية إلى جهل الكثيرات منا في المسائل المتعلقة بأعضائنا الجنسية. إذ إن عددًا كبيرًا من النساء حتى اليوم لا يعرفن الأسماء الصحيحة لأجزاء الجهاز التناسلي، ويجهلن أشكالها والطرق الصحيحة للعناية بها.
هذا الأمر يؤثر على نحو مباشر وسلبي في قدرتنا على استشعار وجود المشكلات الصحية، وبالتالي في حصولنا على العناية الطبية اللازمة عند الحاجة.
في استطلاع أجريناه عبر منصتنا على إنستجرام، قالت 50% من المشاركات إن الشعور بالعار منعهن من طلب المساعدة الطبية أو زيارة الطبيب/ة، أو حتى من الإفصاح عن مشكلاتهن عند الشعور بالألم.
كنساء، جُعلنا نشعر بأن هناك خطأ ما في أجسادنا، وذلك بفعل معايير اعتبرت مثالية من قبل بعض القطاعات، مثل قطاعي الجراحات التجميلية والأفلام الإباحية. فإن كانت رؤيتك لأجزاء الجسد الحميمة، كالفرج والثديين، متأثرة بالأفلام الإباحية أو بأفلام هوليوود مثلًا، فقد تشعرين أن هناك خطأ ما في جسمك.
لذلك نرى الكثير من النساء يقبلن على العمليات الجراحية لتجميل الأشفار وتكبير الأثداء وغيرها، أو يصبن بحالة اضطراب غذائي أو يتبعن حميات غذائية صارمة، وكل ذلك رغبة بمحاكاة المعايير الجمالية التي قيل لهن أنها ضرورية ومتوقعة، وواجبهن الالتزام بها لبلوغ الصورة التي يفرضها عليهن المجتمع.
ترسّخ الأعراف الثقافية والمعتقدات الدينية لدينا الفكرة التي تعتبر رغبات المرأة وملذاتها الجنسية أمورًا غير أخلاقية ومن المحرمات، مما يؤدي غالبًا إلى قمع الميول الجنسية الطبيعية لدينا كنساء، وإلى تأقلمنا مع الشعور بالعار ومعاملة رغباتنا ومتعتنا كأشياء ينبغي إخفاؤها أو إنكارها. كما يؤدي غياب النقاش المفتوح والصادق في مسألة الجنس الأنثوي إلى تمدد واستمرار حلقة العار والكبت والانكماش، مما يمنعنا من فهم أجسادنا واحتضان رغباتنا على نحو كامل.
كذلك يمكن أن يقودنا هذا أيضًا إلى الاعتقاد الداخلي بأن سعادتنا ليست سوى أمر ثانوي مقارنة مع سعادة الطرف الآخر، فيتضاءل على الأثر شعورنا بقدراتنا الجنسية وبالرضا حيالها.
إن كان بحوزتي واق ذكري، هل يجعلني ذلك أبدو فتاة سهلة؟ إن طلبت منه ارتداء واقٍ، هل أبدو صعبة المنال؟
إن رفضته، هل سيثير ذلك غضبه؟ هل سيخبر أهلي؟
إن واقعنا كنساء غير مخوّلات لاتخاذ قراراتنا الشخصية بأنفسنا، إضافة إلى المسؤولية الملقاة على عاتقنا للحفاظ على شرف العائلة، لا يتركان لنا مجالًا رحبًا للتعلم وفهم حدودنا الخاصة والتعبير عن أفكارنا ورغباتنا.
في الختام، هذه ليست سوى أمثلة قليلة عن استمرار الشعور المكتسب بالعار في التأثير، حتى يومنا هذا، على حياتنا كنساء بالغات. ويبقى هناك أمثلة كثيرة أخرى. إن كنت تدوّنين يومياتك أو خواطرك، نشجعك على طرح هذا السؤال على نفسك: كيف استطاع الشعور بالعار والخجل التأثير علىإدراكي لجسدي وجنسانيتي؟
Arabic word for “shame”. It is often used to impose a set of socially-mandated behaviors and expectations.
.هل وجدتِ إجاباتٍ لأسئلتك؟ أم فاتنا ذكر معلومة ما؟ شاركينا رأيك