الجسد
تعرّفي على جسدكِ عبر تحسين إدراكك لتركيبته وطبيعته، واعثري على إجابات لأكثر الأسئلة شيوعًا.
تبدأ قصة نساء كثيرات مع تطور فضولهن وهن صغيرات. تأملي السيناريو التالي:
تلمس فتاة صغيرة فرْجها بفضول، فتنظر إليها والدتها برعب موبّخة: "عيب"! وتأمرها بإبعاد يدها عن "سوسو" أو "لولو" أو غيرها من الألقاب المختارة لهذا الموضع من جسمها الذي لا يمكنها مسه.
تحتار الفتيات الصغيرات إزاء هذا الرد القاطع الذي يتعرضن له من أهلهن، ويدخلن بالتالي في دوامة من الخوف والعار. ويقوم بعضهن بكبت تلك المشاعر في أعماقهن فيما تعمد أخريات إلى إشباع فضولهن سرًّا وفي الخفاء بعيدًا من أعين المراقبين.
هذا السيناريو يمثل مقدمة تجاربنا مع مشاعر الخجل والعار وبداية حياة مليئة بالمشاعر المتضاربة، حيث نجهد في خضمها لفهم تقاطعات اللذة والعيب.
وتشكل تلك التجارب المبكرة طبيعة فهمنا لأجسادنا وجنسانيتنا، كما يسهم انعدام التعليم الجنسي في تفاقم تلك المشاعر مع مرور الوقت. فالمدارس تتجنب الموضوع برمته، ويعوّض المراهقون والمراهقات عن ذلك بالتهامس عن الجنس والجنسانية، وكل ذلك يجري بغياب الشروح العلمية والتثقيفية في المدارس، وكل أشكال النقاش مع الكبار في المسألة.
وحين نبلغ العمر الذي يمكننا فيه إنشاء علاقات مجتمعية أو استكشاف صفحات الانترنت، نرى أنفسنا عاجزين عن التمييز بين الحقيقة والخيال، إذ لم نجرؤ يومًا على النظر إلى ما بين أرجلنا أو التعرف على أجسادنا.
وسنكتشف إذّاك أننا أخطأنا حين اعتقدنا أن في الجهل حماية، وانقلب جهلنا وبالًا علينا إذ وقعنا فريسة للمعتدين لأننا لم نتعلم يومًا أن من حقنا قول "لا"، ولم نعلم لِمَ يُصر ابن عمنا على أن نجلس في حضنه رغم رفضنا، وأطعنا أمر قريبنا الذي شدّد على ألا نخبر أحدًا عن "سرنا الصغير".
هذه الأمور في الحقيقة أكثر انتشارًا مما نتصور، إلا أن المجتمع يخفيها بطبقات من العار والكتمان. إن بدت تلك القصص مألوفة بالنسبة لك، اعلمي أنكِ لستِ وحيدة، وأن بإمكانكِ كسر حلقة العار والصمت.
الطريق إلى التغيير يبدأ بنبذ كل ما تعلمناه عن المتعة والفرح والرغبة، وإعادة تثقيف أنفسنا من جديد بدءًا من اللحظة التي أرعب فيها فضولنا الطفولي آباءنا وأمهاتنا. لنتواصل مع تلك الصغيرة التي فينا ونؤكد لها أن فضولها كان أمرًا طبيعيًا وصحيًّا.
ذلك كله يتم عبر اكتشاف ذاتك ومتعتك وفهم طبيعة جسدك وأحاسيسه المختلفة، فتستعيدين استقلاليتك وحقك في المتعة.
هذه المعرفة تشكل بداية تغيير مجتمعي جذري، وإليك الأسباب.
انخراطك في اكتشاف ذاتك ومتعتك يمثل تحديًا مباشرًا للفكرة الأبوية التي طالما أقنعتنا بأن أجسادنا ليست ملكنا.
جسدك هِبة لك كي تفهمينه وتعتنين به وتستمتعين بلذاته، وانخراطك في هذه الأنشطة يبدد الفكرة التي ترى أن جسدك وجنسانيتك رهن رغبات الآخرين وقوانينهم.
تمكّنك معرفة جسدك على نحو أفضل من اتخاذ قرارات مستنيرة تناسبكِ شخصيًا، إذ لن تعودي بحاجة لانتظار أوامر الآخرين والامتثال لرغباتهم فيما يتعلق بجسدك، وهذا الوعي يمكنك من حبّ ذاتك ويمنحك المتعة والسعادة دون انتظار تلقيها من شخص آخر.
ومن شأن الاكتفاء بالذات تغيير مسار تجربتك الحياتية، إذ يمنحكِ قدرة أكبر على اختيار الأشخاص الذين ترغبين بوجودهم في حياتك، كما يسهم الاكتفاء بالذات في الحد من سيطرة الآخرين عليكِ، لأنك لن تحتاجينهم لتحديد قيمتك أو تأكيدها.
لا شك أنكِ تعلمين أن شركات التجميل وغيرها تستغل شكوكنا بذواتنا وقلة ثقتنا بأنفسنا كي تروّج لمنتجات وخدمات تعِد بـ"إصلاح" عيوبنا المفترضة.
فتلك الصناعات تعتمد على زعزعة ثقتنا بأنفسنا وإقناعنا بأننا بحاجة لتلك المنتجات كي نكون جميلات ومرغوبات. معرفتك بجسدك وتفرده وقوته تمنحك القدرة على رفض هذه السردية الاستغلالية، وتساعدك في حب ذاتكِ والاحتفاء بجسمك كما هو من دون تغيير، وبذلك يتراجع تأثير الرأسمالية والشركات الكبرى في مسألة احترامنا لذاتنا وتصورنا لقيمتنا.
يعلمك اكتشاف الذات التعامل مع جسمك واستجاباته بفضول واحترام بدل الشعور بالذنب والإحراج؛ وهذا التحول في التعامل ووجهة النظر من شأنه تغيير حياتك وحياة الأجيال المقبلة.
رحلتك إلى حب ذاتك تشكل مثالًا للفتيات والشابات من حولك اللاتي يعاين تقديرك لنفسك وجسدك، ويتعلمن الأفكار ذاتها ليصبحن نساء تملؤهن الثقة، ويدركن أهمية المتعة والعناية بالذات ولا يخجلن من أجسادهن.
فهم جسدك ومحبته يمثلان الخطوة الأولى لبناء مستقبل يحتفي بمتعة النساء ولا يصمها بالعار والخطيئة. ابدئي رحلتكِ لاكتشاف ذاتك ومتعتك بلا خجل أو عار.
ملاحظة: ندرك أن المتعة الذاتية قد تكون تجربة مؤلمة بالنسبة للنساء اللاتي تعرضن للإساءة الجنسية. إن واجهت صعوبة في إمتاع الذات، خذي وقتكِ واطلبي الدعم من متخصصي الرعاية الجنسية الذين يفهمون تجاربك ويحترمونها.
Arabic word for “shame”. It’s often used to impose a set of socially mandated behaviors and expectations.
.هل وجدتِ إجاباتٍ لأسئلتك؟ أم فاتنا ذكر معلومة ما؟ شاركينا رأيك